يرى الكاتب جمال كنج أن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تجاوزت حدود المنطق والعقل، إذ تشبه علاقة طفيليّة يستفيد منها طرف واحد فقط، يعتمد على نفوذ منظم يمتد من المال إلى الإعلام والسياسة. يصف كنج واشنطن بأنها ترسم بوصلتها الأخلاقية والسياسية وفق المصالح الإسرائيلية، رغم أن إسرائيل لا تضيف للأمن أو الاقتصاد الأمريكي أي فائدة حقيقية.
ينشر المقال عبر موقع ميدل إيست مونيتور، ويكشف شبكة النفوذ التي تُعيد إنتاج الخطاب الصهيوني داخل الوعي الأمريكي، عبر السيطرة على الإعلام وصناعة الترفيه والمنصات الرقمية. الفكرة المحورية أن ما يُقدَّم كـ"حرية إعلامية" ليس سوى آلة دعاية متقنة تروّج لرؤية واحدة تجعل من إسرائيل ضحية ومن الفلسطينيين جلادين.
يشير الكاتب إلى أن نفوذ رجال الأعمال الموالين لإسرائيل يتعمق في هياكل الإعلام الأمريكي، إذ يسعى الملياردير لاري إليسون، مؤسس "أوراكل"، لشراء شركات كبرى كـ"وارنر براذرز" و"CNN"، بينما تولى ابنه ديفيد إدارة "باراماونت" و"CBS" بعد اندماجها مع "سكاي دانس". في المقابل، تُظهر رسائل بريدية مسرّبة تواصلاً مباشراً بين إليسون ومسؤولين إسرائيليين لتحديد السياسيين الأمريكيين الذين يستحقون الدعم المالي، ومنهم السيناتور ماركو روبيو الذي حصل على خمسة ملايين دولار من إليسون بعد أن وصفه الأخير بأنه "صديق عظيم لإسرائيل".
تتحول وسائل الإعلام الأمريكية – وفق كنج – إلى ممرات نفوذ لصالح "اللوبي الإسرائيلي"؛ فشخصيات مثل باري فايس، التي عُرفت بتبرير جرائم الحرب في غزة، تتولى مناصب تحريرية في قنوات كبرى، مما يسمح بتكرار الرواية الإسرائيلية داخل الإعلام السائد. ويضيف أن المليارديرة ميريام أدلسون، أكبر ممولة لحملات دونالد ترامب، تركز إنفاقها فقط على من يخدم المصالح الإسرائيلية في واشنطن. حتى ترامب نفسه اعترف أمام الكنيست أن أدلسون "تحب إسرائيل أكثر من أمريكا".
يتناول المقال أيضاً معركة النفوذ على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يبرز "تيك توك" كأول منصة لا تخضع لملكية المستثمرين الموالين لإسرائيل. لهذا، يرى كنج أن الحملة السياسية ضد التطبيق لا تتعلق بالأمن القومي الأمريكي كما يُعلن، بل بمحاولة السيطرة على خوارزمياته التي لم تُستخدم بعد لترويج الرواية الإسرائيلية. ويشير إلى أن عائلات إليسون ومردوخ تقود الآن محاولات الاستحواذ على المنصة، بينما يصف بنيامين نتنياهو هذا المسعى بأنه "أهم صفقة جارية حالياً"، مؤكداً أن "الأسلحة الأهم اليوم هي على وسائل التواصل الاجتماعي".
يكشف كنج عن تحقيقات صحفية تُظهر أن وزارة الخارجية الإسرائيلية تدفع لعدد من المؤثرين الأمريكيين مبالغ تصل إلى سبعة آلاف دولار عن كل منشور يروّج لمحتوى مؤيد لإسرائيل من دون الكشف عن مصدر التمويل، في ممارسة تشكّل اختراقاً ممنهجاً لفضاء المعلومات الأمريكي.
ينتقد الكاتب هذا التغلغل بوصفه "استعماراً للوعي" يهدف إلى احتكار الحقيقة وتشكيل الوعي الجمعي الأمريكي وفق الرغبة الإسرائيلية. ويرى أن امتلاك إليسون لوسائل الإعلام الكبرى، وتحكم باري فايس في غرف الأخبار، وتمويل إسرائيل للمؤثرين على الإنترنت، جميعها تشكّل شبكة واحدة تجرّد المواطن الأمريكي من حقه في التعددية الإعلامية.
ويستشهد بقول فولتير: "من يستطيع أن يجعلك تصدق السخافات، يستطيع أن يجعلك ترتكب الفظائع"، ليؤكد أن الدعاية الصهيونية نجحت لعقود في إقناع الأمريكيين بعبثية مفاهيم مثل "حق توراتي في الأرض" و"الاحتلال دفاع عن النفس".
يعتبر كنج أن الاختبار الحقيقي للديمقراطية الأمريكية لا يكمن في صناديق الاقتراع، بل في قدرتها على مواجهة هيمنة جماعات الضغط الموالية لإسرائيل على الإعلام والكونجرس والجامعات. هذه الهيمنة، كما يصفها، تدمج النفوذ المالي والسياسي في بوتقة واحدة تُقدّم المصالح الإسرائيلية كإجماع وطني أمريكي.
ويختتم المقال برؤية قاتمة لمستقبل الإعلام الأمريكي، الذي يتحول – في رأيه – إلى نسخة من "برافدا الإسرائيلية"، صحيفة النظام الواحد التي تنشر رواية واحدة لا تُناقَش. وبهذا، يعكس النص تحذيراً من أن "الاستعمار الإعلامي" الذي تمارسه إسرائيل وأنصارها لا يستهدف فلسطين وحدها، بل يستهدف العقل الأمريكي ذاته.
https://www.middleeastmonitor.com/20251027-how-israel-first-jewish-americans-plan-to-re-monopolise-the-narratives-on-palestine/

